لم تكن تونس بمعزل عن فخ العداوة لسورية كسائر الدول العربية، إلا أنها كانت الأسرع في عودة لرشدها، متحسسة الخطر الذي يحدق بها ومدركة أن سورية عمق استراتيجي لكل من يعاني من ظروف مشابهة، إذ لك يكن التنظيمات الإسلامية الإرهابية سرطانات في جسد الدولة السوري فقط، بل تونس هي الأخرى تعج بأتباع حركة النهضة التونسية الذين يجعلونها من الدول القابعة على فوهة بركان لا يبقي ولا يذر.
تتبنى تونس لا بل تؤمن بمضمون النظرة الاستراتيجية للقيادة السورية :حيال ملف الإرهابيين”، ولا أجد أصدق كلمة الفريق الرئيس بشار الأسد عندما سألته قناة خبر الإيرانية فيما إذا سينجح التحالف الدولي المشكّل م نأربع دول في مهامه؟ ليجب/ نعو أتوقع سينجح، تابع : يجب أن ينجع لأن الإرهاب سيأكل دول المنطقة والمسألة ليست دولة أو دولتين.
كما حذر في العديد من الكلمات والخطب التي ألقاها سيادته أن النار التي أشعلوها في سورية سترتد على أصحابها؛ في إشارة إلى الإرهابيين ومن قام بدعمهم، إذ أن عودتهم إلى الدول التي قدموا منها سيعود عاجلاً أم أجلاً بالضرر عليها، وكم تسأل العقل السياسي السوري: هل ستسمح أوربا بعودة إرهابيها إليها؟ وكم ضحك العقل السوري من تفاهة الإرهابي الذي ظن أن تركيا التي تدعمه ستسمح له بالعودة إلى أراضيها والبقاء طيلة حياته بعد إنهاء مهامه.
لم يكن موقف دولة أو يمثل تونس والشعب التونسي، بل بعض التونسيين بموجب انتماءاتهم الايديولوجية شاركوا بالحرب ضد سورية وانخرطوا بالتنظيمات الإرهابية، ويبدو أن ثمار التجربة السورية بدأت تُقطف لدى بعض الدول العربية مثل تونس، حيث أثبت تصريح القيادي في حركة البعث التونسية صهيب المزريقي حول مخاطر عودة التونسيين الذين التحقوا بالجماعات الإرهابية ضد الجيش السوري ، معتبراً أن ذلك رغم مخاطره سيكون سبيلاً للكشف حقيقة وكيفية تسفيرهم و من يقف وراء عمليات التسفير، خاصة للشباب المغرر به في حرب كونية استهدفت الدولة السورية.
إن هذا التصنيف الذي ستقوم به الدولة التونسية سيساعدهم على تحديد هوية الخطر الإرهابي الكامن داخل الدولة التونسية وإتخاذ تدابير وقائية لدرء المخاطر السياسية والأمنية التي ستترتب على تحركاتهم في الداخل التونسي، من قبيل تسلم ملفاتهم الأمنية لمعرفة من يقف ورائهم، التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية في سورية، لكونهم ارتكبو جرائم إنسانية و تشريد الشعب السوري.
رغم أننا نرى أن ذلك سيكون من باب المعلومات الإضافية لا أكثر، لأن عدوهم الداخلي معروف حيث تقبع “حركة “النهضة” التونسية، كتنظيم عالمي للإخوان، والتي كانت جزء من هذه المؤامرة على سورية بعد إقامة مؤتمر “أصدقاء سوريا” وإمضاء راشد الغنوشي، لميثاق ما سمي بـ”الجهاد في سوريا“، والذي كان بمصر، سنة 2013م، بأوامر من الأب الروحي لجماعة “الإخوان” يوسف القرضاوي”، على حد تعبيره .
إن تصرف راشد الغنوشي بتونس ويوسف القرضاوي في مصر تجاه سورية وتوقيعهم على ” الجهاد” يقدم للجهات الاستخباراتية في الدول العربية ما أسميه ” الخريطة الايديولوجية لأتباع الفكر الإخونجي”، الذي يقوم على التدخل بأي دولة لنصرة أتباعهم وأبناء ملتهم لأسباب دينية ضيقة تحت حجج متعدّدة هي لهم أسباب حقيقية، ودوافع فعلية للانخراط في حروب تنتهك سيادة الدول قانونياً وإنسانياً.
ويمكن تفسير موقف تونس من الحرب السورية بعدة عوامل مثل بالمخاوف الأمنية من انتشار الإرهاب في تونس، وإن تحرّكهم بالوجهة التي تحركت بها سورية إزاء التنظيمات الإرهابية يعد جزءاً من السيادة الوطنية والمحافظة على الأمن القومي لتونس.