امتدت الاشتباكات المستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي العشائر العربية إلى المناطق الريفية في محافظتي الرقة والحسكة وسط مخاوف من احتمال امتدادها إلى حلب، حيث تم رصد أرتال عسكرية عشائرية إلى مدينة جرابلس شمال شرق حلب لفتح جبهات جديدة ضد قوات قسد، بعد أن سمح لها تنظيم “الجيش الوطني السوري” الإرهابي بذلك، المدعوم من تركيا والذي يسيطر على تلك المنطقة؛ الأمر الذي يعزز رواية قوات “قسد”، حول وجود أياد تركية تعمل على تأجيج الوضع بما أن أنقرة تعد المستفيد رقم واحد مما يجري حاليا في المنطقة.
كما أنّه في تاريخ 8/9/ 2023م، اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل «الجيش الوطني»، الموالي لتركيا، وقوات «قسد» في محاور ريف منبج الغربي شرق محافظة حلب، وتسلل من جهة قرية عريمة باتجاه قرية اليلاني بريف منبج، ضمن مناطق نفوذ «مجلس منبج العسكري» التابع لـ«قسد» فكان ذلك مؤشراً صارخاً على محاولات توسيع ساحات المواجه مع إرهابيي قسد العدو المشترك بين سورية وتركيا.
وبالإضافة لما سبق فقد كان قيام عناصر مجلس منبج العسكري بالتصدّي لعملية تسلل ثانية لفصائل ” الجيش الوطني” باتجاه قرية عون الدادات بريف منبج الشرقي، ومن دلائل محاولات توسيع إطار المواجهة مع قسد، كذلك ما جرى في يوم الأحد 3/9/2023م، قوات الجيش الوطني الموالي لتركيا تقول إنها فتحت الطريق للراغبين من أبناء العشائر في قتال ‘قسد’ في منبج والباب، وأن عملية الفصائل السورية الموالية لأنقرة إنما تأتي لتأجيج تلك المواجهات لاضعاف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
لعل ما سلف يوحي بشكل أو بأخر بدور تركي غير علني لنقل ساحات القتال ضد قسد لمناطق جديدة بما يمكنهم من تبديد خطر هذا التنظيم ذو الطموحات الانفصالية، وما من شكل من أمرين: وجود دعم عسكري واستخباراتي تركي للقبائل العربية، كذلك وجو تنسيق استخباراتي أمني بين القوى والدول المتضررة من قسد، كما إنّ تقييم البيانات السابقة وإجراءات استنباط لما بين السطور، فإنه سينتج لدينا الخلاصات الأتية:
أولاً: إن حقيقة الموقف التركي من القتال بين العرب والأكراد/قسد/ لم يخفه تصريحاتهم السياسية التي لا تحتاج العناء لفهما، وحتى بيان الخارجية التركية يوم الجمعة بخصوص الاشتباكات، والذي قالت فيه:” وأضافت: “نعتبر هذا التطور مظهرا جديدا لمحاولات التنظيم الإرهابي، الهيمنة على شعوب سورية القديمة، من خلال ممارسة العنف والضغط عليهم، وانتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية”؛ القول الذي يتضح منه النظرة التركية لقسد التي تعدّها أنقرة ذراعاً سورية لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تصنفه منظمة إرهابية، ومن الطبيعي أن تعارضه وتعمل على وأده بالعلن والخفاء.
ثانياً: أين يلتقي الأمن القومي التركي والأمن القومي السوري؟ القضاء على المساعي الكردية الانفصالية، تركيا تريد إبعاد حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) والكيانات التابعة له عن حدودها الجنوبية، وسورية بعد أقامه الاكراد بأغنى منطقة سورية تمكنهم من الانفصال، وحصولهم على دعم خليجي عربي دخلوا دير الزور بالأصل بدعم منهم، ومعاونة للأمريكي تحت شعار مكافحة الإرهاب، للحصول على غطاء شرعية دولية بغض النظر أمريكا صادقة بدعمهم ام لا؟، فمحاربة الاكراد هو محاربة الفيدرالية والانفصال ومحافظة على السيادة السورية بجوهره.
ثالثاً: لا أعول كثيرا على العشائر العربية ولا أنسى ان ما بينهم هو خلاف داخلي، وقع بين الخبيل (المجلس العسكري) و (قسد) بسبب استبداله لمجموعة الصناديد، لا ينسى من يهللون له انه قاتل خلال السنوات الماضية تحت راية قسد، ولكن أعول على الجماعات المخترقة العاملة لصالح سورية وإيران، ولا أبني أي أمل على روسيا في هذا الصدد.
رابعاً: حول الشكوك عن تعاون أمني سري بين الاتراك والسوريين بشأن العدو المشترك لأمنهما القومي: قال كبير مستشاري الرئيس التركي، السفير عاكف تشاغطاي كيلتيش، في مقابلة تلفزيونية ليل الجمعة، 8/9/ 2023م:” أن أنقرة اتخذت بعض الخطوات للحيلولة دون سيطرة تنظيمات إرهابية على المنطقة، من أجل أمنها القومي ومن أجل سوريا”، وعلى أساس هذا القول فإن التعاون الغير معلن لا يمكن نفيه ولا وزن للسياسة المعلنة، فقد عرف تاريخ العلاقات الدولية دولا أعداء تعاونت مع بعضها رغم العداوة بسبب وجود قاسم مشترك مهدد لأمنها القومي، وأهم أشكال تعاونهما تبادل المعلومات الاستخبارية، التنسيق بين تركيا وسوريا في عمليات أمنية مشتركة، إحباط الهجمات الإرهابية.
خامساً: إن مصلحة سورية تتمثل (بنهضة صادقة) لعنصر العربي في دير الزور والرقة والحسكة ضد قسد، مما يحرم الأمريكي من ورقة تسببت بالأذى للجغرافيا السورية، ولا غريب إن كانت عناصر جيشنا وحلفائنا الفرس وحزب الله يقاتلون تحت هذا الستار، وإن لم يكم ذلك فيجب استغلال هذه التي لا يصعب على أصحاب الفراسة اكتشاف لمسة الاستخبارات دون الحاجة الى رفع توصيات القذرين بناء على أقوال التافهين وثرثراتهم.
بالنتيجة، فإنّ مستقبل الصراع بين العشائر العربية وتنظيم قسد ويعتمد على العديد من العوامل الداخلية والخارجية العوامل التي تؤثر على مستقبل الصراع مثل موقف تركيا التي تعتبر قسد إرهابية وتسعى إلى إضعافها، وموقف الولايات المتحدة تدعم قسد، والعامل الأضعف موقف روسيا: ترى في قسد تهديداً لنفوذها في سوريا، ولذلك قد تتدخل هذه القوى عسكرياً مما قد يؤدي إلى تفاقم الصراع، وأهم السيناريوهات المستقبلية:
أولاً: سيناريو استمرار الصراع: في هذا السيناريو، يستمر الصراع بين العشائر العربية وتنظيم قسد، ويتطور إلى صراع أوسع يشمل أطرافاً أخرى، مثل تركيا والولايات المتحدة وروسيا.
ثانياً: سيناريو اتفاق سلام: في هذا السيناريو، يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين العشائر العربية وتنظيم قسد، يتضمن مشاركة العشائر العربية في الحكم في المناطق التي تسيطر عليها قسد.
ثالثاً: سيناريو تقسيم المنطقة: في هذا السيناريو، يتم تقسيم المنطقة إلى مناطق يسيطر عليها كل طرف من الأطراف المتنازعة.