درجت أغلب المقالات التي تناولت زيارة الرئيس الايراني إلى سورية على وصفها بالفريدة من نوعها والاستراتيجية، وما إلى هنالك غير أن هذا لا يغدو كونه تسويقاً دبلوماسياً وإعلامياً رغم معاني رسائله الى الداخل والخارج.
إن ما يجمع إيران وسورية يكمن بالرغبة القاتلة باستفادة كلاهما من الآخر في تدعيم وجوده واستمراره بقوه بالشكل الذي يضمن نجاح سياساته، ويسهم بإخراج مشاريعه الاقليمية والدولية الى أرض الواقع بما في ذلك المكانة التي يطمح إليها كلا الفريقين إعتماداً على ما تخوّلهما الجغرافيا السياسية.
وبالنسبة لما تشيعه الدول من أسباب عادية حول تقاربها وزياراتها الدبلوماسية، والتي درجت دول العالم على التعاون وفقاً لها، فهي غطاء إيديولوجي يخفي وراءه أسباب أعمق وتحليلات أكثر دقة لما يجري.
لا احد ينكر أن تاريخ العلاقات الإيرانية السورية منذ قيام الثورة الاسلامية لغاية اليوم جيد نسبياً، وأن تطوّر مستويات هذه العلاقة قد حدث بالتدّرج حتى وصلت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي مر بعدّة مراحل اثبتت مصداقيته وفاعليته ووجوده كواقع حي .
لا يمكن وصف علاقة الطرفين الإيراني والسوري فترة ما قبل 2010 م بالتحالف الاستراتيجي إذا كانت العلاقة بينهما تسير وفق مستويات معقولة ومجالات محدّدة ووفق اطر وقيود معينة، ولكن بعد بدء الحرب على سورية كما نسميها اختلف الأمر كلياً.
لا أحد يستبعد وجود أهداف وطموحات إقليمية عند الإيراني معلنة وغير معلنة، ولا يوجد دولة تزج بنفسها بصراعٍ وجودي بدون أهداف من جهة وبدون مقابل من جهة أخرى، وقد رأينا نصوص مشروع الشرق الأوسط الجديد وغيرها من المشاريع الصهيونية الامريكية تنص على استهداف إيران بعد سورية، وفي هذا تشارك للطرفين بوحدة المصير، علاوة على التقارب الجغرافي الأمر الذي جعل سورية عمق استراتيجي لإيران، وسبب فعّال لخروج الإيراني خارج حدوده للقتال متناغماً ذلك مع نصوص الدستور الإيراني المعدّل لعام 1989م، بوصفه من مقتضيات حماية أمنهم القومي، إضافة إلى المرتكز الأيديولوجي الذي تقوم عليه عملية صنع السياسات العامّة في كلا الدولتين، وكذلك المعاناة الاقتصادية والحاجة لمنافذ خارجيه تمكنهم من المزيد من التغذية الطاقوية بما ينقذ الطرفين من تبعات الخناق والتضييق الاقتصادي.
المهم بالموضوع إنّ الايراني صدق وعده له أهدافه المعلنة والسرية، لكنه قدّم الغالي والنفيس دم وبارود ودعم سورية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بدرجة فاقت بقية الحلفاء، ولم يعتمد سياسة ذو الوجهين كالبقية مما أكسبه ثقة الدولة السورية.
هنا نقسم مراحل الدور الإيراني في سورية منذ بداية الحرب، حيث كانت البداية مع المناصرة والتعاضد الإعلامي والسياسي ثم المساندة العسكرية، وصولاً إلى الدعم الاقتصادي وأما النتائج التي ترتبت على الدعم الإيراني لسورية، فقد ارتسمت وفق ما يلي سورية، لم تنهار اقتصادياً، القضاء على التنظيمات الإرهابية، استعادة الجغرافيا السورية، تأمين حدودها مع الأعداء، الموازنة على الارض مع القوات الأمريكية التي ما تزال تشهد التعامل بسياسة الضربة بالضربة لذلك ايران شريك وسبب في صمود وانتصار سورية بآن واحد.
وأما اليوم بعد سلسلة المساهمة الإيرانية في صمود سورية، فإنّ عوامل عدّة سرّعت من مرحلة قطف الثمار ولا تقبض ايران ثمن أدوارها في سورية، ولا عجب أن يكون هناك مقابل ومن أبرز هذه العوامل؛ مجمل السياق الإقليمي والدولي فيما يخص سورية:
1. تقارب خليجي نحو سورية بقيادة الإمارات، والاتفاق الإيراني السعودي، وسحب ورقة المخاوف من إيران داخل السعودية من جهة وسحب ورقة التخويف بإيران من أمريكا وحلفائها فيما يخص علاقة إيران بأخواتها دول الخليج.
2. الانفتاح العربي الكبير متمثلاً بمساندة الدول الكبرى عظيمة مثل الجزائر والعراق المجاور عقب كارثة الزلزال المدمّر وما ترتب عليه من إقبال وتعاطف عربي مع سورية.
3. اللقاء المصري السوري حيث كلا الطرفين ثقل استراتيجي بالنسبة للآخر رغم أن الكثير من التنسيق ببعض المجالات بينهما غير معلن ورغم الاختلافات الظاهرة بالسياسة الخارجية بين مصر وسورية إلى أن ذلك شكلي.
4. تغيّرات دولية تمثّلت بالموقفين الصيني والروسي الداعمين لسورية ورئيسها وسياساته.
5. ميل العدوان التركي إلى المفاوضات مع السوري بوساطة روسية والمؤسس والمؤشرات الأولية تشير إلى قبوله بشروط سورية عاجلاً أم عاجلاً.
إنّ ما سلف من متغيرات مستجده مثّلت بالنسبة لصانع القرار الإيراني معطيات هامّة توحي بأنّ وقت القطاف قد أن لا سيما في ظل المخاوف التي اعترت الإيرانيين خفيه ولا في ظل التخوّفات التي اعترت الإيرانيين خفيه، ولا أجد هنا أوضح من تصريحات رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة والزراعة الإيراني في بدايات عام 2022م، حين نتحدّث عن أهدافهم الاقتصادية في سورية بشكل صريح ومفاجئ وصادم رغم أنّه حقهم المشروع، ولا بدّ هنا من ذكر السياقات التالية:
1. بقية حلفاء سورية لهم حصة الأسد رغم أن ما قدّموه لا يقارن بما قدّمته إيران وحتى من باب المصداقية ايضاً.
2. الحاجة إلى منفذ على البحر الأبيض المتوسط.
3. حالة الجمود حالياً والعداء سابقاً مع الدول العربية ذات الاقتصاديات القوية مما يخلي الساحة السورية لإيران.
4. استغلال غياب العملاق الصيني عن سورية رغم تأييده وتحالفه معها ضد السياسات الأمريكية.
5. التزامات الصين بنهج الابتعاد عن الصراعات الدولية.
6. غنى سورية بالموارد المعدنية والثروات الباطنية التي تحتاجها إيران كقوة صاعدة علاوة على غنى سورية بالموارد البشرية الكفؤة المتفوقة بذكائها عالمياً، والتي لا تجد من يدعمها ولا يحترمها ولا ينمي ذكائها، وبالإمكان عبر الاستقطاب لهذه الشرائح والنخب أن تستفيد إيران منهم أيضاً، وهذه الطريقة الأفضل لخلق كوادر مواليه لها في الداخل السوري، وأكثر نفعاً من بقية أدوات القوى الناعمة التي تستخدمها إيران في سورية.
و بالمجمل إنّ ما سلف جعل ايران تأتي لجني الثمار، وجاءت الزيارة رئاسية هذه الزيارة التي حصدت بها إيران اتعابها في السنوات السابقة، وقبضت ثمن ما قدّمته اقتصادياً وعسكرياً لسورية، الأمر الذي تجلّى واضحاً بالاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأمد التي تم توقيعها بين الطرفين الإيراني والسوري، وهنا نقول أن الاستثمار مهما كان شكله، فانّ الفائدة الأكبر تبقى للمستثمر الذي له النسبة الأكبر على حساب أصحاب الثروة والمورد، وهنا المعنى الحقيقي لكلمة ثمن فلا سياسي بدون ثمن ولا دعم أو مناصرة بدون ثمن، وهذا في العلاقات الدولية مشروع جداً فالحكومات الايرانية تحملّت الضغط الشعبي والحصار الاقتصادي والضغوطات الدولية إدراكاً منها للنتائج الاستراتيجية بعيدة المدى، وبالفعل قد حصدتها وسحبت ورقة ضغط قوية من معارضيها واعدائها في الداخل والخارج، وهذا نجاح للحكومة الإيرانية في عهد رئيسي داخلياً ويساهم بتوطيد الأمن والاستقرار لاسيما بعد فتره ساخنة شهدت محاولات خارجية لزعزعة الأمن والاستقرار الإيراني.
إنّ نقطة القوة في هذا اللقاء تمثلت بالإشارة المبطنة إلى ترسيم العلاقة رغم الطابع الحقيقي حيث ورد التأكيد على احترام السيادة الوطنية والاستقلال والحفاظ على وحدة أراضي الدولتين هذا الأمر يمنع خلط الأوراق ويبقي علاقة الطرفين على الأراضي السورية مضبوطة ومقننة بشكلٍ خاص والوجود الإيراني في سورية بشكل عام ولعله تمهيد لأمر ما مستقبلاً.
بالتعقيب على ما ورد في البيان الختامي فقد تضمن التأكيد على ما درجت علية علاقة الطرفين من قبل، وتشكّل محدّدات أساسية لعلاقة الدولتين السورية والايرانية، وتشكّل قواسم مشتركة ليبقى الأهم في هذا اللقاء الاقتصادي هو الأهم، حيث شكّل جوهر اللقاء وسببه ونتيجته بأن واحد.
بقلم د.ساعود جمال ساعود