ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية بالفلبين عبر تحالف أمني منذ عقود يشمل معاهدة للدفاع المتبادل، واتفاق التعاون الدفاعي المعزز الموقع في 2014م، ويسمح للقوات الأمريكية بالتواجد في خمسة قواعد فلبينية، بما فيها تلك القريبة من المياه المتنازع عليها، كما يسمح للجيش الأمريكي بتخزين المعدات والإمدادات الدفاعية في تلك القواعد.
والمستجد الطارئ، في خطوة خطيرة لها بعدها الجيوسياسي المؤثّر على موازين القوى في شرق أسيا وقد يكون لها دور في تأجيج التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، أبرمت الأخيرة أتفاقاً أوضح مضمونه مسؤولون فلبينيون وأمريكيون في بيان مشترك، اليوم الخميس حول اتفاق واشنطن ومانيلا على توسيع اتفاق قائم، ليشمل أربع مواقع جديدة “في مناطق استراتيجية من البلاد”، تحت ذريعة تحسين العلاقات بين الطرفين الأمريكي والفلبيني، والتي انتابها الفتور في عهد الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي، جرّاء تفضليه التقارب مع الصين على حساب الأمريكي، إلا أنّ لكن الإدارة الجديدة للرئيس فرديناند ماركوس تبدو حريصة على عكس هذا التوجه، الأمر الذي سارعت التحليلات لتفسيره على أنّه سعي لتعزيز الوجود الأمريكي بالشاكلة التي تخدم ضمانته لمصالحه ولأمن حلفائه لا سيما في ظل التوترات الأخيرة التي دار موضوعها حول تايوان.
وفي ظل إعلان الطرفين عن خططهما لتسريع التنفيذ الكامل لاتفاقية التعاون الدفاعي المعزز في مناطق استراتيجية من البلاد، فلا عجب في هذه الخطوة الجيوسياسية التي لا نبالغ إذا قلنا أن تأثيرها المستقبلي سيتجاوز مس على ألة التأثير موازين القوى الكبرى وضبط المصالح إلى درجة المساهمة برسم شاكلة جديدة النسق الدولي وتثبيتها على حالتها الراهنة.
وعلى صعيد تحديد أسباب اختيار الفلبين بالتحديد في ظل المتغيرات الراهنة التي تشهدها تلك المنطقة جراء السعي الأمريكي لتضييق الخناق حول الصين وتضييق نطاق مناوراتها الدولية، فإنها تعود للخصائص الجيوسياسية للفلبين، حيث تقع في جنوب شرق آسيا غرب المحيط الهادي. عبارة عن أرخبيل مكون من 7,641 جزيرة، وتحده تايوان إلى الشمال عبر مضيق لوزون، وفيتنام إلى الغرب عبر بحر الصين الجنوبي، وهنا يتضّح السبب الوجيه والذي يتمثّل بقربها من تايوان لتكون الفلبين بذلك قاعدة دفاعية متقدمة عن التايواني في تحسباً من الأمريكي لأي تحرك صيني باتجاه إعادة تايوان ومضيقها إلى الوطن الأم، هذا التحرّك الذي سيتسبب بخسائر فادحة للأمريكي وحلفائه الأوربيين على الصعيد الاقتصادي لكون نظراً لأن مضيق تايوان أحد أهم سلاسل التوريد العالمي بالنسبة لهم، وكذلك الأمر بالنسبة لبحر الصين الجنوبي ذي الأهمية الاستراتيجية المميزة عالمياً هو أكبر بحر فـي العالم بعد المحيطات الخمسة، حيث تبلغ مساحته نحو 3.5 مليون كلم مربع، وهو يقع على الطرف الغربي من المحيط الهادئ، ويعتبر أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، وتمر عبره ما قيمته نحو 3 تريليونات من التجارة الدولية كل عام، ويحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، وتقدّر بين 23 إلى 30 مليار طن من النفط، و16 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وبالمجمل إن هذه القواعد العسكرية تعزز من موقع وتواجد الولايات المتحدة الأمريكية في واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية العالمية.
من الذكريات الساخرة في هذا الصدد عند ما وصف الرئيس الفلبيني في حديثه عن الرئيس أوباما خلال مؤتمر صحفي، إذ وصفه بأنّه «ابن عاهرة»، ممّا قاد إلى إلغاء اجتماع بين الرئيسين خلال قمة الآسيان لعام 2016م، عقب التدخلات والاتهامات التي شنها أوباما ضده بانتهاك حقوق الإنسان، ووصل تدهور العلاقة بعدها لدرجة اقتراح الرئيس الفلبيني دوتيرتي بعد أسابيع قليلة على القوات الأمريكية الخاصّة لوقف عملياتها ومغادرة مينداناو، وأعرب بشكل صريح عن رغبته فقط في إنهاء التدريبات العسكرية المشتركة للفلبين مع الولايات المتحدة خلال زيارته الرسمية لفيتنام في 28 /سبتمبر/ عام 2016م، وهذا بأجمعه لم يتحقق، واليوم عادت الثقة الفلبينية بالولايات المتحدة الأمريكية على حساب ابتعاد الوجهة الخارجية عن الصين، وبالمجمل يمكن اعتبار أن الفلبين دخلت خط التنافس الجيوستراتيجيه بين القطبين الصيني والأمريكي بوصفها موطئ قدم للأخير.
د. ساعود جمال ساعود