الحرير عبارة عن نسيج جاء قديماً من الصين موطنه الأصلي، ويتكوّن من ألياف بروتينية تنتجها دودة القز عندما تقوم بغزل شرنقتها، وقد بدأت صناعة الحرير بحسب المعتقدات الصينية عام ٢٧٠٠ قبل الميلاد تقريبا. وكان الحرير يعدّ من المنتوجات النفيسة جدا فانفرد بلاط الإمبراطورية الصينية باستخدامه لصنع الأقمشة والستائر والرايات وغيرها من المنسوجات القيّمة. وبقيت تفاصيل إنتاجه سرا حفظته الصين بشدة طيلة ٣٠٠٠ سنة تقريبا بفضل مراسيم إمبريالية قضت بإعدام كل من يتجرأ على إفشاء سرّ إنتاج الحرير لشخص غريب. وتحوي قبور مقاطعة هوبي، العائدة إلى القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، نماذج فاتنة لهذه المنسوجات الحريرية ومن بينها الأقمشة المزخرفة والشاشات والحرير المطرّز وأولى الألبسة الحريرية بجميع أشكالها.
إلا أن احتكار الصين لإنتاج الحرير لا يعني أن هذا المنتوج انحصر في الإمبراطورية الصينية دون منازع – فعلى العكس من ذلك، استُخدم الحرير هديةً في العلاقات الدبلوماسية وبلغت تجارته شأناً كبيراً بدءاً بالمناطق المتاخمة للصين مباشرة ووصولاً إلى المناطق المتنائية، بحيث بات الحرير إحدى الصادرات الرئيسية للصين في عهد سلالة الهان (سنة ٢٠٦ ق.م.- سنة ٢٢٠ ميلادي). وقد عُثر بالفعل على أقمشة صينية من هذه الحقبة في مصر وشمال منغوليا ومواقع أخرى من العالم.
وفي وقت ما من القرن الأول قبل الميلاد، دخل الحرير إلى الإمبراطورية الرومانية حيث اعتُبر سلعة فاخرة تغري بغرابتها وعرف رواجاً هائلاً وصدرت مراسيم إمبريالية لضبط سعره. وبقي يلاقي إقبالاً شديداً طوال القرون الوسطى حتى إن قوانين بيزنطية سُنت لتحديد تفاصيل حياكة الألبسة الحريرية وهذا خير دليل على أهميته إذ كان يعدّ نسيجاً ملكياً خالصاً ومصدراً هاماً للمداخيل بالنسبة إلى السلطة الملكية. وفضلاً عن ذلك، كانت الكنيسة البيزنطية تحتاج إلى أعداد ضخمة من الملبوسات والستائر الحريرية. ومن هنا، مثّلت هذه السلعة الفاخرة أحد المحفزات الأولى لفتح المسالك التجارية بين أوروبا والشرق الأقصى.
وكان الإلمام بطريقة إنتاج الحرير أمراً بالغ الأهمية وعلى الرغم من سعي الإمبراطور الصيني إلى الاحتفاظ جيداً بهذا السر تجاوزت صناعة الحرير في النهاية حدود الصين لتنتقل إلى الهند واليابان أولاً ثم الإمبراطورية الفارسية وأخيراً الغرب في القرن السادس ميلادي. وقال المؤرخ بروكوبيوس في وصف هذه الظاهرة في القرن السادس ما يلي:
قدِم بعض الكهنة من الهند في الفترة ذاتها تقريباً [نحو سنة ٥٥٠]؛ وبعد أن أقنعوا جستنيان أغسطس بأن على الرومان الامتناع عن شراء الحرير من الفرس، وعدوا الإمبراطور أثناء مقابلتهم له بمده بالمواد اللازمة لصنع الحرير وكان لهذا أن يغني الرومان عن إقامة علاقات تجارية في هذا المجال مع أعدائهم الفرس أو مع أي كان من الأقوام الأخرى. وقالوا إنهم عاشوا فيما مضى في سريندا وهي بحسب أقوالهم المنطقة التي يقطنها سكان جزر الهند وقد تعلموا فيها فن إنتاج الحرير على أكمل وجه. ورداً على الأسئلة التي انهمرت على الكهنة من الإمبراطور بشأن حصوله على السر، أوضحوا أن بعض الدود يصنع الحرير فقد أرغمتها الطبيعة نفسها على العمل دون انقطاع؛ وأضافوا أنه يتعذر بالتأكيد جلب الديدان حية إلى هناك، إلا أن تربيتها عملية سهلة تخلو من الصعاب؛ وأن عدد البيوض التي تفقس لا يعد ولا يحصى؛ وأن على الإنسان أن يقوم فور وضع البيوض بتغطيتها بالروث ويحرص على بقائها في مكان دافئ لأطول فترة ممكنة لأن هذا الأمر ضروري لإنتاج الحشرات. وما لبثوا أن زفّوا هذه الأخبار السارة إلى الإمبراطور مستجيبين لوعوده السخية وقفلوا عائدين إلى الهند. وعندما حملوا البيض إلى بيزنطة تمكّنوا بالطريقة التي تعلّموها والتي سبق أن رويتُها من تحويلها إلى ديدان تتغذى على أوراق التوت. وهكذا بدأ فن صناعة الحرير في الإمبراطورية الرومانية.