تستمر الدول السورية بجهودها الرامية إلى إخراج سورية ما بعد الحرب من أزماته الغذائية المتعددة عبر الخطط المتكاملة لتحقيق الأمن الغذائي لإيصال الشعب السوي لعتبة الاستقرار والأمن من منطلق تعدد أوجه الأمن وتكاملها مع بعضها البعض.
وتنبع أهمية هذه الجهود الحكومية في حقيقة الحال من الواقع الراهن مقارنه بما كان عليه الحال قبل اندلاع الحرب بأوجهها كافة على سورية فعلى سبيل التذكير كانت سوريا البل العربي المكتفي بالقمح والشعير، ووصلت لاستخدام تقنيات زراعية وأنظمة ري حديثة لا سيما في المناطق الشرقية التي كان لها الإسهام الأكبر في إنتاج القمح، ولكن الحرب عملت عمل الجفاف الذي داهم سوريا في عامي 2008-2009م، وجففتها من الكثير من مقومات قوتها ذات العلاقة المباشرة بالأمن الغذائي سواء مساحات أراضي، ومنتجات زراعية وصناعية أو بنية تحتية أو استهلاك احتياطي، فتحولت سورية لمستورد لغالبية موادها الغذائية بعد أن كانت احتياطيات البلاد تُقدَّر بـ3.5 ملايين طن خُزِّنَت في أكثر من 140 صومعة في مناطق استولت عليها التنظيمات الإرهابية المدعومة دولياً بين عامي 2011م-2015م.
ومنذ تحسن الوضع الميداني في سورية إثر قيام الجيش العربي السوري بإرجاع غالبية الأراضي السورية إلى حضن الوطن، بدأت الحكومة السورية بتدارك الموقف والشروع بخطط لإعادة التوازن للحالة الغذائية في سورية بعد أن طال النقص في المواد الغذائية الكثير من المواد والسلع، متكلة في ذلك إلى مقومات وموارد الدولة السورية ذاته، وإلى مكتسبات الجغرافية السورية، والمهم هنا أشكال الخطوات الحكومية التي تراوحت ما بين خطط استثمار محلية، واستصلاح، وإعادة تأهيل، والتجارة الزراعية بحكم الموقع الجغرافي السوري وفق الظرف الراهن، اتفاقيات دولية على غرار ما حصل اليوم 27/7/2022م.
اليوم نقلت الصفحة الرسمية للرئاسة الوزراء خبر عقد اجتماع هام برئاسة وزير الصناعة زياد صبحي صباغ وممثلي منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو” وفريق الدعم في الوزارة على خطوات إطلاق المشروع الذي ستعتمده المنظمة في الجمهورية العربية السورية والذي سيركز على التصنيع الزراعي الغذائي، علما أن الهدف الرئيسي للمنظمة هو تعزيز وتسريع التنمية الصناعية، وتعزيز التعاون الصناعي الدولي، وتحسين نوعية حياة الفقراء في العالم من خلال الاعتماد على مواردها العالمية المشتركة، والخبرات في مجالات الحد من الفقر من خلال الأنشطة الإنتاجية، وبناء القدرات التجارية، والطاقة والبيئة، وهذا يمكننا من تفسير ما حصل اليوم بأنه خطوة إيجابية على طريق التعافي السوري كما كام قبل الحرب.
وحول تفاصيل المشروع نقل الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء عن مسؤول التنمية الصناعية في المنظمة أليكسي سافراسوف قوله:” أن المشروع مدته ثلاث سنوات، وهو موجه للصناعات الغذائية، وسيكون تمويل المشروع من جمهورية روسيا الاتحادية”. أي زمن قليل مقارنة بزمن إنشاء المشاريع المحلية، وصلة مباشر بحاجة الشعب السوري.
وفي سياق الحديث عن الإمكانيات التي ستوظف في سبيل إنجاز المشروع أكد مسؤول التنمية الصناعية بما يتناسق ويتناغم من مهام اليونيدو:” أن المنظمة ستقوم باستثمار كافة الإمكانيات والخبرات والتكنولوجيا في سبيل انجاح المشروع كونه سيسهم في تقدم وتطور الصناعات الغذائية في سورية وسيكون نقطة انطلاق لمشاريع أخرى”. وهذا ما سيغني خبرات أبناء الواقع من الخبراء السوريين في سياق تعاونهم، ورفدهم بالمعلومات اللازمة واطلاعهم على واقع الحال، علماً أن المستثمر السوري أو أي مشروع حكومي اليوم بحاجة مورد مادي أكثر من حاجته لبنك معلومات لأن المسألة وإن تشابهت الحالات ولكن للواقع السوري خصوصيته.
وحول مراحل إنجاز المشروع ، أشار المشروع فقد أشار فراس غانم منسق المشروع إلى مراحله الهامة وفق ما يلي:
أولاً : ” تركّز المرحلة الأولى من المشروع على مسح الواقع الحالي للتصنيع الغذائي في سورية وتحليله في سبيل الاستثمار الأمثل للسلاسل التصنيعية”. إشارة إلى دراسة الواقع السوري بسلبياته وإيجابيات ومدى فرص النجاح والفشل للمشروع.
ثانياً: “وضع خطة متكاملة تتضمن التوجّه لدعم العملية التصنيعية من مراكز تدريب وهيئات تعليمية وتقانية والتجهيزات اللازمة للانتقال في المرحلة التالية للشركات والمعامل”. في إشارة إلى إنشاء بنية المشروع التحتية.
وبرز دور تبادل الخبرات فيما أشار إليه منسق المشروع بقوله : سيتم الاطلاع على مشاريع المنظمات الدولية الأخرى في سورية للبحث عن نقاط مشتركة في المشاريع المقامة للوصول إلى عمل متكامل.
وبالنسبة لمخرجات الاجتماع فقد تمثّلت بتوقيع الاتفاق في نهاية الاجتماع على إعداد مذكرة التفاهم ليتم توقيعها في أقرب وقت، ولعل هذا ما يصب في خدمة مصالح الشعب السوري لأن إنجاز هذه النوعية من المشاريع له منعكسات سياسية واجتماعية علاوة على الاقتصادية يُفترض أن تكون منعكسات إيجابية .
وحول أهمية المشروع قال وزير الصناعة: ” أن المشروع هام وحيوي، وقضية التصنيع الزراعي الغذائي هي من أولويات عمل الوزارة”. وبالفعل أن طبيعة المرحلة الراهنة تتطلب هذه النوعية من المشاريع التي باتت تخرج من نطاقها المحلي إلى التدويل إيجاباً، ولا ضير في التبادل الدولي للمساعدات والخبرات مع سورية طالما أنها تصب في سياق احترام السيادة وإحلال الأمن والاستقرار في سورية.
وأشار الوزير إلى ضرورة تكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص على صعيد العمل على أرض الواقع في قوله:” وأشار إلى أهمية وضع خارطة عمل على أساس المسح الذي سيجري لتحديد الأولويات في العمل والتي ستشمل القطاعين العام والخاص”، حيث يأتي إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام في إطار التكامل والتنسيق وتخفيف الأعباء وتحمل المسؤولية في البناء والتطوير لا سيما أن المرحلة الراهنة على النواحي شتّى مرحلة نسف وإعادة بناء وتكوين وتأهيل ورفع جاهزية لبناء مستقبل وطيد الأركان.
بالخلاصة، إنّ أي مشروع يصب في نطاق تحقيق وتعزيز الأمن بوجوه كافّه لا سيما الأمن الاقتصادي ومقتضياته من قبيل سد الحاجات الغذائية للشعب السوري في ظل الحصار الاقتصادي على سورية لا بد من الترحيب به وإعطائه مكان الصدارة من باب الإستجابة للظروف الطارئة الراهنة، وتلبية للحاجات الشعبية الواقعية.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود