ما يزال معرض الزهور الدولي في أيامه الأخيرة يشهد إقبالاً مذهلاً من قبل السوريين لما فيه من التنظيم والجمال والإبداع والنوعية المميزة والوفرة لجميع المنتجات؛ التي يمكن أن تخطر على بال المتسّوق، وبالطبع لا يمكن حصرها بقطاع معين، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالتميّز والجودة والنوعية المتفوقة، فهنا سيكون التميّز سيد الموقف وهذا هو الحال بالنسبة لقطاع النحالين ومنتجاتهم، حيث لفت انتباهنا الإقبال الكثيف على منتجات أحد النحالة دون غيره الذي يدعى بالسيد ورد شوكت محمد وهو أحد أبطال وجرحى الحرب الغادرة، فقررنا طرح بعض الأسئلة عليه لعلنا نكشف تميزه كنحال وتميز منتجاته.
كانت البداية بطلب التعريف بنفسه وبدايات انطلاق مشروعه بتربية النحل، فأجاب قائلاً:” انا ورد شوكت محمد- محافظة حماه، جريح حرب (بتر ساق يسرى) في ريف اللاذقية، وبعد ستة أشهر من أصابته بدء مشروع بمعونة أقاربه بالاعتماد على توفر كامل مقومات مشروع تربية النحل في قريت التي تقع بسهل الغاب، وبالمناسبة هذه مشاركتي الأولى بمعرض الزهور(42) لعام 2022م”.
بعد ذلك سألناه عن سبب الأقبال الكثيف عليه دون غيره رغم كثرة النحالة؟ فأجاب ذلك لعدة أسباب منها: الحرص على تعدد أنواع العسل مع ذكر لخواصه الطبية بالدرجة الأولى، البعد عن المنكهات الاصطناعية التي تقود لعدم انتاج عسل صافٍ، المصداقية والشفافية، ومراعاة ذوي الدخل المحدود على حساب التكلفة لأن المعيار هو الكسب والجذب، التركيز على الجانب المغفل منذ بداية الحرب ألا وهو الجانب القيمي والأخلاقي فنحن مازلنا متمسكين بعاداتنا وتقاليدنا التي هجرها الكثيرون، الترويج عبر مندوبين ومنصات الكترونية.
وفي سؤال منا عن تقييمه الشخصي للمعرض كقناة تسويق، فقد أجابنا ببدء حديثه بإبداء احترامه الشديد لما قُوبل به من احترام وتقدير، مجيباً بقوله: “على الرغم من أن المعرض مرهون بفترة زمنية معينة، إلا أنّه يعبّر عمّا يتمنّاه الكثير من المنتجين ألا وهو ايصال السلعة من المنتج إلى المستهلك دون واسطة لتكون هذه المعارض بجوهرها قنوات تصديرية تكسر احتكار التاجر السلبي، عندئذ سيكون العرض قائم على عينات من المنتجات ثم مرحلة الاتفاق على الكميات والاسعار والشحن.
وأضاف النحال ورد محمد:” نسعى لإيصال المنتج إلى المستهلك بما يتناسب مع قدرة المستهلك، والحفاظ على خصوصية منتجنا الريفي ضمن الأسواق السورية، ونقله بالمستقبل إلى الأسواق العالمية”.
ثم سألته فيما إذا كان لديه توصيات تقدّمها لإدارة المعرض بصفتك جريح حرب؟ قال: نعم، يجب توجيه النظر إلى المنتجين الجدد من الجرحى وأسر الشهداء ودعمهم لمتابعة إنتاجهم والسعي إلى تسويق منتجاتهم من خلال المعارض، وفتح سوق تصريف لمنتجاتهم، ومساعدتهم في تخطي العقبات التي تحول دون ذلك”.
ماهي إلا دقائق بعد إنهاء محاورتنا حتى أجرت الفضائية السورية مقابلة مع الجريح ورد محمد في برنامج شمس سورية، ليأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من اللقاءات التي جمعته مع قنوات إعلامية ومراسلي صحف ومواقع الكترونية، كان بالفعل قد لفت انتباها بصورته البهية بأخلاقه بمنتجاته ونوعيتها بسلاسة المعاملة مع الزبائن.
الجدير بالذكر أنّ تربية النحل ليست حرفته الوحيدة بل يقوم بزراعة المزروعات وتجفيفها وتعليبها وتقديمها للبيع إلى جانب العسل الصافي ومثالها الهندباء الناعمة، خل التفاح، دبس البندورة، الزهورات، الزوفا، البابونج، زهر الزعرور، الزعتر البري، البامياء اليابسة، النعنع البلدي، وبمثل هذه الإرادة والإصرار والمصداقية والشرف انتقل الجريح ورد محمد من مرارة الحرب التي عاشها سنوات، لينعم الان بحلاوة ما جنت يمناه وعرق جبينه رزقاً حلالاً.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود