اجتاحت العالم موجات من ارتفاع أسعار السلع وسط أزمة الإمدادات وارتفاع أسعار الطاقة،
و الحكومات تتحرك من خلال تقديم وسائل الدعم المناسبة.
مستويات التضخم حالياً غير مسبوقة منذ عام 2008، ويختلف مدى التأثر في مستويات التضخم بين دولة و أخرى
أزمة التضخم الحالية أزمة مركبة و معقدة ومتراكمة وعميقة ويوجد صعوبة بالغة في حلحلتها على المدى المنظور .
وتأتي مكونات أزمة التضخم العالمي الحالي على النحو الآتي:
أزمة الطلب المرتفع، والتي بدأت في كانون الأول 2020 وخاصة مع توسع التطعيمات وانتشار اللقاح.
أزمة سلاسل الإمداد، والتي بدأت في آذار الماضي وظهرت في البداية بقطاع المواصلات ثم توسعت لتشمل جميع القطاعات.
جاء ذلك بالتزامن مع أزمة الموانئ وخطوط الملاحة في حزيران الماضي ، إلى جانب أزمة الحاويات والشحن.
أزمة في العرض و الإنتاج، حيث بدأت قفزات الأسعار في التضاعف مع تزايد الضغط من جانب الطلب وثبات عدد الحاويات المتاحة للاستخدام في عمليات الشحن البحري والتجارة الدولية بين المستوردين (الطلب) والمصدرين (العرض)، ونتج عنها انخفاض كمية المعروض من السلع والمنتجات.
المناخ
بدأت أزمة المناخ تلقي بظلالها على العالم بقسوة في آب و أيلول الماضيين، حيث أدت الفيضانات والسيول والانهيارات في التربة إلى مشكلات في المحاصيل الزراعية والإنتاجية من عدة سلع زراعية في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل وشرق أوروبا.
جاء ذلك بالتزامن مع أزمة الطاقة في الصين، حيث ظهرت في البداية بمقاطعات “جواندونج” و”جيانج سو” و”زهينجيانج”، وامتدت لتشمل المصانع في 20 من 31 مقاطعة صينية لترشيد استخدام الكهرباء وتقليل استهلاك الطاقة، وبالتالي خفض الإنتاج والمخرجات.
تضخم أسعار الغذاء عالمياً
حيث أعلنت منظمة الأغذية العالمية، “الفاو” أن مؤشرها الذي يقيس أسعار الأغذية سجل أكبر زيادة منذ حزيران 2011.
ارتفاع أسعار السلع الأولية
قفزت أسعار الطاقة خلال الشهور الماضية بمختلف مشتقاتها، ولعب التغير المناخي دوراً في موجات التضخم الأخيرة، حيث أدت الحرارة المرتفعة عن المعتاد إلى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية لتشغيل مكيفات الهواء وغيرها، وساهم الجفاف في خفض إمدادات الطاقة الكهرومائية، بينما أثرت الفيضانات على بيئة عمل المناجم، وبالتالي خفضت من إمدادات بعض المعادن والفحم.
ارتفاع أسعار الأسمدة
أدى تعافي أسعار الطاقة، وخاصة الفحم والغاز الطبيعي، إلى زيادة حادة في تكاليف مدخلات الإنتاج الزراعية، وهذا بالطبع ينعكس على السماد والذي ارتفعت أسعاره بأكثر من 55% منذ كانون الثاني الماضي فقط، وصلت الأسمدة إلى قمة لم تصلها منذ 2008، أي أن الأمر تجاوز مسألة المقارنة بفترة ما قبل الجائحة بعقد كامل من الزمن، وهو ما ساعد على تغذية ارتفاعات أسعار كافة السلع الغذائية الأخرى ودفع العديد من شركات الكيماويات حول العالم إلى تقليص خطوط إنتاجها نظراً لاستحالة البيع بنفس الكميات عند الأسعار الحالية في الأسواق.
ارتفاع أسعار المعادن الأساسية
استمرت معظم أسعار المعادن الأساسية في الارتفاع مدفوعة بالتعافي الاقتصادي ونمو الطلب الكبير، بالتزامن مع تعطُل الإنتاج بسبب نقص إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها التي تؤثر مباشرة في أسعار المعادن التي يلزمها كثير من الطاقة من أجل عمليات التكرير والمعالجة، موجة الارتفاعات شملت القصدير والألومنيوم والزنك، ومثلما حدث مع الأسمدة وشركات الكيماويات، قامت بعض منشآت ومصانع تكرير ومعالجة المعادن بخفض أو إيقاف الإنتاج بسبب موجة التضخم.
إلى متى ؟
يشير البنك الدولي، إلى أن أسعار الطاقة – التي يتوقع أن ترتفع في المتوسط أكثر من 80% في عام 2021 مقارنة بالعام الماضي- ستظل عند مستويات مرتفعة في عام 2022، لكنها ستبدأ في التراجع في النصف الثاني من ذلك العام -أي 2022- مع تخفيف قيود العرض.
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار السلع غير المرتبطة بالطاقة، بما في ذلك المنتجات الزراعية والمعادن، في عام 2022، بعد تحقيق مكاسب قوية هذا العام .
البنك الدولي:
“إن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة يشكل مخاطر كبيرة في الأمد القريب على التضخم العالمي، وإذا استمر فقد يؤثر أيضا على النمو في البلدان المستوردة للطاقة”.
“يؤثر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم على إنتاج السلع الأولية الأخرى ويشكل مخاطر على توقعات الأسعار، فقد تقلص إنتاج الأسمدة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والفحم، وأدى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى زيادة تكاليف مستلزمات المحاصيل الغذائية الرئيسية، وانخفض إنتاج بعض المعادن مثل الألومنيوم والزنك بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة أيضًا.”
أما بالنسبة للمعادن، ومع تراجع النمو العالمي وتعطل الإمدادات، فمن المتوقع أن تنخفض أسعار المعادن 5% في عام 2022، بعد ارتفاعها بنسبة تقدر بنحو 48% في عام 2021 حتى أكتوبر الجاري، أما المحاصيل الزراعية، فبعد أن حققت زيادة بنسبة 22% في عام 2021، من المتوقع أن تنخفض انخفاضاً طفيفاً في العام المقبل مع تحسن ظروف العرض واستقرار أسعار الطاقة.
الختام :
الوضع الحالي بحاجة لتجرك أكثر جدية في جميع الأزمات التي تعصف بالاقتصاد العالمي نظراً لترابط جميع الازمات الحالية مع بعضها البعض .
وقد يحمل النصف الثاني من عام 2022 انفراجات لكنها مرهونة بالعديد من الوقائع منها شدة التقلبات المناخية و الاضرار الناجمة عنها ، مقدار التعافي من جائحة كورونا وعدم ظهور متحورات جديدة أكثر فتكاً ، ومقدار مخزونات الطاقة و الحبوب و الأغذية.