في ندوة حدثت بطوكيو ، ضمّت مجموعة من النخب العلمية والسياسية والاقتصادية اتفق المشاركون على أن “الاستراتيجية” هي الميزة الجلية للعلاقات الصينية- الخليجية، وتم الإشارة حول احتمال أن تصبح الصين شريكاً تجارياً دون منازع لدول مجلس التعاون الخليجي، هذا الاحتمال يستحق الدراسة ولو في مقال صغير إعتماداً على ما تنطق به الأرقام وفق الآتي ذكره.
سبق وأن وقعت الصين اتفاقية للتعاون مع كل دول الخليج العربية ، في البناء المشترك لـ”الحزام والطريق” ، وحققت ثماراً وافرة في التعاون معها في الطاقة والمنشآت التحتية والطالقة الجديدة والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية، إستناداً إلى القواسم المشتركة بين الطرفين.
ومن جملة هذه القواسم ما قاله لي هوا شين، سفير صيني سابق بالنقل عن موقع الصين اليوم، بتاريخ 1/6/2022م:” أساس إقامة الشراكة الاستراتيجية الصينية- الخليجية ، والاحترام المتبادل، والتفاهم القوي، مما جعل العلاقات بينهما نموذجا مثاليا في العلاقات بين دول العالم، إن إقامة الشراكة الاستراتيجية بينهما في صالح بناء رابطة المصير المشترك في العصر الجديد بين الصين والدول العربية”.
وحول الرتبة التجارية للصين في صدد علاقتها بدول المجلس فقد قال الدكتور جعفر كرار أحمد الباحث في مركز الدراسات الصيني- العربي للإصلاح والتنمية:” أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وحلت محل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020م، وشهد حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين زيادة سريعة في عام 2021م”.
وعلى الرغم من تميّز العلاقات الصينية – الخليجية، وتعدد مجالات التعاون، وحجمها، والروابط التي تجمعها إلا أنّ الصين ليست الشريك التجاري الوحيد لدول مجلس التعاون الخليجي بل هنالك أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تدور دول مجلس التعاون الخليجي في الفلك الأمريكي أكثر بالمقارنة مع ميلها للصين من الناحية السياسية الأمر الذي يترك تأثيراته على العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الصين منافساً لدوداً، وتزايد محاولاتها لتضييق الخناق على الصين منذ قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكم بأمريكا ومازال مستمراً بمحاولاته هذه حسبما يظهر للعيان، لذلك لا نستطيع إنكار أن العمل لجذب وكسب دول الخليج هو مسعى صيني وأمريكي معاً لأسباب سياسية واقتصادية قريبة وبعيدة المدى، ومن هنا جاء التساؤل فيما إذا كانت الصين ستصبح الشريك التجاري الأول وذلك في ظل التنافس الذي ستواجهه من قبل الأوربي الأمريكي، والتركيز هنا على الأمريكي خصوصاً.
ولمعرفة فيما إذا كانت الصين ستصبح الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليج أم لا خصوصاً في ظل تنافسها مع الأمريكي، فلا بدّ من الرجوع لميزان التبادل التجاري لكلا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2021م مع دول مجلس التعاون الخليجي كل دولة على حدا حسب تقديرات مركز التجارة الدولية، وإحصائيات كلّا من: General Customs Administration of China)) ، (US Census Bureau) ، وذلك للكشف أيهما أعلى نسبة في تبادلاته التجارية معها.
بالنسبة لميزان التبادل التجاري بين الصين التي هي الأسا في هذه العلاقة وبين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى ، فيمكن استعراضها كما يلي:
1. لقد بلغ الميزان التجاري بين الصين والسعودية في عام 2021م ما قيمته (- 24,155,306 ) الف دولار أمريكي.
2. الميزان التجاري بين الصين وقطر في عام 2021م ما قيمته (-7,845,492 ) الف دولار أمريكي.
3. الميزان التجاري بين الصين والبحرين في عام 2021م ما قيمته (917,515) الف دولار أمريكي.
4. الميزان التجاري بين الصين والإمارات العربية المتحدة في عام 2021م ما قيمته (( 13,526,106 الف دولار أمريكي.
5. الميزان التجاري بين الصين والكويت في عام 2021م ما قيمته (-12,424,572). الف دولار أمريكي.
6. الميزان التجاري بين الصين وعمان في عام 2021م ما قيمته (- 22,432,279) الف دولار أمريكي.
من المعرف أن اشارة ناقص تعني ميزان تجاري خاسر، وذلك عندما تكون واردات الدولة الأساس أكثر من صادراتها مع الدول الأخرى كما في الحالة الأخيرة بين الصين وعمان، وبالتوضيح: لأن واردات الصين من عمان تفوق صادراتها إليها، حيث إن صادرات الصين إلى عمان بلغت (3,273,589) دولار أمريكي، في حين بلغت واردات الصين من عمان ما قيمته (25,705,868 ) الف دولار أمريكي. أي أن (12,424,572) الف دولار أمريكي هي الفارق بين الصادرات والواردات، وهذا ما ينطبق على بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
وأما بالنسبة لميزان التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي، فيمكن عرضه وفق ما يلي:
1. بلغ الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و عمان (-589,317) الف دولار أمريكي.
2. الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و البحرين (-302,127) الف دولار أمريكي.
3. الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و قطر (681,966) الف دولار أمريكي.
4. الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و الكويت (1,974,091) الف دولار أمريكي .
5. الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإمارات العربية المتحدة (10,858,141). الف دولار أمريكي .
6. الميزان التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و المملكة العربية السعودية (-2,792,593) الف دولار أمريكي.
ومن العرض يتضح كيف أن الميزان التجاري بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكي هي الأكبر من نظرائها، ورغم العملقة الأمريكية يوجد لها ميزان تجاري خاسر مع بعض دول المجلس.
من خلال العرض السابق تبين لنا أن الميزان التجاري للصين خاسر مع أربع دول من دول مجلس التعاون الخليجي هي (قطر والسعودية والكويت وعمان) لأن وارداتها من هاتين الدولتين أكثر من صادراتها، ويمكن بالرجوع لبيانات منظمة التجارة العالمية تبين قائمة المنتجات التي تستوردها الصين من الدول الأربعة.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإنّ ميزانها التجاري خاسر مع ثلاثة دول من دول المجلس هي ( عمان، البحرين، السعودية) للسب ذاته أن وارداتها تف وق صادراتها لهذه الدول، ويمكن بالرجوع لبيانات منظمة التجارة العالمية تبين قائمة المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الثلاث.
بالنتيجة إن الفارق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الدول التي يخسر فيها ميزانها التجاري، فالفرق دول واحدة وهو إن كان بسيط إلا أنه لا يمكن الاستهانة به، ولا نحكم بالغلبة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بل يمكن الحكم بالمنافسة الشديدة بين الصيني والأمريكي في منطقة الخليج العربي، وبالترادف مع عوامل أخرى مثل التفوق السياسي حالياً، وإن كان هذا عامل متغير، ولكن العسكري الأمريكي في الخليج أمر ثابت ويكفي الإشارة إلى الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية المسئول عن القوات البحرية في الخليج العربي، البحر الأحمر، البحر العربي، علاوة على أن حلفاء الأمريكي في هذه المنطقة أكثر مقارنة من حلفاء الصيني، وإذا اعترض علينا أحد وقال بالمتغيرات الأخير التي ظهرت بعد العملية الروسية في أوكرانيا من قبيل الوهم بالانحراف الخليجي عن الأمريكي تجاه الروسي والصيني، فهذا لم يرسخ لغاية الأن وله العديد من العوامل التي يجب أن تتحقق حتى يمكن الحكم بمثل هذا الميل، وعلى أساس ما سلف يمكن القول إستناداً إلى ربط العوامل السياسية والعسكرية بالاقتصادية، بأن الصيني تصطدم بالتفوق الأمريكي عليها في منطقة الخليج العربي الأمر الذي يمنعها من الوصول لرتبة الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليج في الوقت الراهن في ظل – كما قلنا التفوق الأمريكي- الذي يتحول بحده الأدنى إلى تنافس شديد، ولكن مسألة تحو الصين لشريك أول لدول الخليج متوقف على دول الخليج وليس الصيني، وفيما لو تحرر الخليجي من سيطرة الأمريكي عليه فإن الصيني حتماً سيصبح الشريك الأول لدول مجلس التعاون، دون أن ننسى أن دول الخليج قوية باقتصادها ويمكنها تشكيل ضغط على أكبر دول العالم بمنتجاتها فيما لو جمعت القوة العسكرية والقرار السياسي المستقل لكون الثروة والمورد موجود.
الدكتور ساعود جمال ساعود