جاءت المناورات الصينية الأخيرة في سياق واقع قديم ومتجدد بآن واحد طبعاً يشهد تدخلاً أمريكي واضحاً بالشؤون الداخلية لجمهورية الصين الشعبية عبر ما تقدمه من دعم متعدد الأشكال لتايوان ذات الطموح الانفصالي عن الوطن الأم(الصين) من قبيل الدعم العسكري عبر تقديم أسلحه نوعيه لتايوان بالإضافة إلى دعم سياسي في المنظمات الدولية تحت شعار القوانين والحقوق الدولية والإنسانية. وهذه المناورات تتصف بالعديد من المواصفات من وجهة نظري ألا وهي:
أولاً: المناورات ترجمة عملية للنهج السياسي والحزبي الصيني.
إنّ من أكبر الأدلة على أن المناورات ترجمة عملية للنهج السياسي الصيني ما ورد في على لسان الرئيس الصيني تشي جي بينغ في 11/11/2021م بيان الدورة الكاملة السادسة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني حين قال:” تمسكت الصين بمبدأ “صين واحدة” و”توافق عام 1992″، والمعارضة الحازمة لأي تصرف انفصالي رامٍ إلى “استقلال تايوان” وأي تدخل من القوى الخارجية، مُمْسِكة بزمام القيادة والمبادرة في العلاقات بين جانبي مضيق تايوان بشكل ثابت”. بالتحليل يمكن وصف ما قاله الرئيس الصيني بالمبدأ الثابت والنهج السياسي الذي تنهجه الصين ولا يمكن المساومة عليه أو الحياد عنه لأنّه أحد مرتكزات صنع سياساتها الخارجية.
ثانياً: المناورات عملية تلقائية روتينية:
يمكن من خلال مراقبة تتالي إجراء هذه المناورات عاماً بعد عام استنتاج كونها مناورات روتينية وليس لها طابع الفجائية لذا لا يستطيع أحد التذرّع بالظروف العالمية والإقليمية ليضفي على هذه المناورات خصائص غير خصائصها الأصلية، والأدلة على كلامي ما يلي:
أولاً: في 18/9/ 2020م أعلنت الصين عن مناورات بالذخيرة الحية بالقرب من خليج تايوان وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الصينية آنذاك:” إن المناورات إجراء منطقي وضروري يستهدف الوضع الحالي في مضيق تايوان وحماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، مؤكدا أن تايوان شأن صيني داخلي بحت ولا يقبل أي تدخل أجنبي”.
ثانياً: بتاريخ 17/11/ 2021م أفاد المتحدث باسم قيادة الجيش الصيني، شي يي، أجرت المنطقة الشرقية للقيادة العسكرية لجيش التحرير الشعبي الصيني في 17 سبتمبر الجاري مناورات عسكرية حية جواً وبحراً، في منطقة المياه الجنوبية الغربية لتايوان” بعد مرور مدمرة صاروخية أمريكية عبره.
ثالثاً: في 14/4/2022م أعلنت وزارة الدفاع الصينية، اليوم الجمعة، إجراء مناورات عسكرية قرب تايوان، رداً على محاولات الغرب تنظيم استقلال تايوان عن الصين.
ثالثاً: المناورات تأكيد على شمولية الأمن القومي وتجسيد لـ مبدأ الصين واحدة.
إنّ إصرار بعض الأطراف في تايوان من جهة والأطراف الخارجية “الأمريكي” أن تايوان منسلخة عن الجسد الصيني أو ما يسميه التايوانيون بالممر البري هو محض إدعاء خاطئ ترفضه الصين وتوكد أن تايوان جز من الصين الكبرى وأن أمنها لا يتجزأ من الأمن الصيني العام، لذلك جاءت هذه المناورات ترسيخاً للمبدأين “شمولية الأمن القومي الصيني” و”الصين واحدة” وهنا لا بد من التأكيد أن الهدف من وراء دعم الأمريكيين للتايوانين يكمن بإثارة القلاقل الأمنية للصين رغم عدم جدوى ذلك، إلى الأبعد من ذلك ضمان مصالحهم في مضيق تايوان عبر تواجدهم بشكل غير مباشر ولعل خطط تذهب إلى التشجيع والدعم على الاستقلال ومن ثم إقامة قواعد ثابته هنالك لضمان حماية مصالحهم التجارية وتحسباً لمنع تحكم الصين ببحرها الجنوبي ومضيق تايوان بالشكل الذي يخنق العال عبر هذه الشرايين.
رابعاً: المناورات جزء من ضمان وحماية الأمن والمصالح في جنوب شرق أسيا:
طبعاً لا داعي للحديث عن تحالف “كواد” والعيون الخمس الاستخباراتي التي غايتها إعاقة التحرك الصيني في جنوب شرق أسيا، فالدول المنطوية ضمنها تعتبر الصين هدفاً اقتصادياٍ وأمنياً وعسكرياً، ولا بد للصين من حركة مضادة وهذا لا يعني الدخول في صدام لا بل خلق تواززن ومع إحترامي لجهودهم المبذولة في إطار منظمة شنغهاي ومنظمة الأمن الجماعي إلا أنّه يجب تشكيل أحلاف جديدة في مناطق نفوز الصين، واستغرب انكار الصينين اقامة قواعد عسكرية في جزر سليمان في أرخبيل لا بل على العكس يجب على الصين أن تقيم مثل هذه القواعد بدون خجل تحت زريعه ما تراه من مبرروات.
وعلى الأغلب إنّ قيام حرب بين واشنطن والصين أمر مستبعد كلياً بسبب تايوان ، ولكن في حالة واحدة ألا وهي استفحال الدعم الأمريكي لتايوان مستقبلاً وتهديده للسيادة والمصالح والأمن القومي الصيني مباشرة ، سيدفع الصين للخروج عن صمتها وحيادها إزاء الصراعات الدولية المعلنة من المحتمل أن ينجم عنه عدّة سيناريوهات مستقبلية وهي:
أولاً: احتمال تدهور العلاقات الصينية – الأمريكية بسبب تايوان، إذ يوجد الأن مناوشات إعلامية وسياسية، ولكن لا يوجد حالياً مؤشرات على ذلك بالعكس لقد زاد التبادل التجاري بينهما ووصل في ارتفع في الربع الأول إلى 2021م بنسبة 73.1 بالمئة 165.72 مليار دولار أمريكي بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2020م نقلاً عن إحصائية لسبوتنيك الروسية.
رابعاً: احتمال توجيه ضربه صينيه عسكريه لتايوان التي عدد جيشها 300 الف فقط، واقتصادها متوقف على العلاقة مع الصين تعد الصين شريكاً استثمارياً وتجارياً تقليديا بالنسبة لتايوان، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، استثمرت الشركات التايوانية نحو 60 مليار دولار في الصين.
بالنتيجة أرى وأعتقد جازماً بأنّ حقيقة الوضع بين الصين وامريكا بخصوص تايوان كشفه ووضحه جورج بوش الأب في 2001م أنّه «على الرغم من امتلاكنا (الصين والولايات المتحدة) بعض المصالح المشتركة، ولكن يجب أن يفهم الصينيون أن هناك بعض المجالات التي سنختلف فيها»، وعاد وزير الدفاع الأمريكي منتدى للدفاع الوطني بكاليفورنيا ليكشف الأمور على حقيقتها أن ما يشاهده العالم اليوم ليس صراع بل “إدارة صراع” حيث قال: “الاختلافات الحقيقيّة على صعيدَي المصالح والقيَم” بين واشنطن والصين، وقال “لكنّ ما يهمّ هو الطريقة التي نُدير بها” هذه المصالح والقيَم” ، إذاً أي تصعيد سياسي أو عسكري أو إعلامي فهو مدروس ومتفق عليه –بناء على ما سبق- بدقة بحيث لا يقود لصدام حقيقي بين الطرفين على عكس ما يصوره الإعلام من اقتراب صدام وشيك.
بقلم الدكتور : ساعود جمال ساعود