تعدّدت المراكز البحثية والصحف التي كتبت حول الاقتصاد الصيني وتوقعاتها له في العام الجديد 2024م ، والتي تتضارب فيما بينها أحيانا لحد التعارض، ولا نخفي مقدار التشاؤم الذي انتابنا عندما قرأنا للبعض مقابل القدر الهائل من الأمل عند قراءة ما كتبه المحبون للصين، لنصبح أمام منظر اقتصادي خاضع للتجاذبات السياسية بين صديق للين وعدو لها.
مع متابعة ما تكتبة المراكز البحثية الغربية والموالية لها من المراكز العربية يظهر عدم موضوعيتها من البداية عندما تتحدث عن معدلات الناتج المحلي الإجمالي في الصين ووصفها لها بالمخيبة للإمال، حيث بلغت 5,2 %وقدرت بأنها كان يجب أن تبلغ 5.3% ، متجاهلين ان الخطة للاقتصادية للصين في عام 2023م كانت المحافظة على ناتج محلي بمقدار 5,2 % ثم تتالت المضامين التي تحدثت عن جملة المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الصيني من قبيل البطالة ارتفاعها الى 5 % وثباتها، رغم أن ثباتها مع مراعاة التضخم السكاني يعتبر أمر جيداً ولكن بالنسبة للبض ممسكاً يعتد به للنقد.
من الأمور التي تم التنبيه لها لا بل واستغلالها كمآخذ على القطاع الاقتصادي بالصين ما ذكره تشيوي تشانغ، الرئيس وكبير الاقتصاديين في شركة Pinpoint Asset Management في مذكرة: “مع انخفاض الاستثمار في قطاع العقارات، أصبح الاقتصاد أكثر اعتماداً على قطاع التصنيع وقطاع الخدمات”. ولكن لا يكمن القول بأن الاقتصاد سيصبح أقتصاد ريعي ولا يمكن إلغاء كون الاستثمارات بمجلات أخرى غير العقارات لا تقل فاعلية، والدليل انخفضت العقارات بنسبة 9.6% في عام 2023. وارتفع الاستثمار في البنية التحتية بنسبة 5.9% بينما نما الاستثمار في التصنيع بنسبة 6.5%..
تذكر المواقع أن معدل البطالة بلغ بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً 14.9%، بينما بلغ المعدل في المدن في ديسمبر 5.1%. دون توضيح اليات حساب هذا المعدل مما يطرح أسئلة إشكالية حول إعادة تقييم طرق الحساب.
ومن المؤشرات الإيجابية التي توردها هنا وارتفاع مبيعات التجزئة بنسبة 7.4% في ديسمبر مقارنة بالعام الماضي، مخالفة التوقعات بنمو نسبته 8%.، وارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة 6.8% في ديسمبر مقارنة بالعام السابق، متجاوزاً توقعات النمو بنسبة 6.6%.، وارتفاع الاستثمار في الأصول الثابتة لعام 2023 بنسبة 3%، وهو ما يزيد قليلاً عن الزيادة المتوقعة البالغة 2.9%.
وحول توقعات البنوك والشركات العالمية الكبرى لنسبة نمو الاقتصاد الصيني في عام 2024م أن البنوك الاستثمارية الدولية الكبرى توقعت أن ينمو الاقتصاد الصيني بوتيرة أبطأ في عام 2024 مقارنة بعام 2023. بانخفاض عن 5.2%، ومن بين توقعات البنوك الخمسة التي استعرضتها CNBC، سجل بنك JP Morgan أعلى نسبة عند 4.9%، في حين حقق Morgan Stanley أدنى نسبة عند 4.2%. فهي من وجهة نظرنا غير دقيقة، ومهما كانت المعطيات المعتمدة، فلا يمكن القبول باستقرار وضع التجارة الدولية وتحييدها عن التلقبات السياسية وتأثرها وهذا ما لا يمكن التنبؤ به حيث يكون على شكل مستجدات.
على الرغم من النمو الكبير في قطاعات مثل السياحة والسيارات الكهربائية، فإن الاقتصاد الصيني العام الماضي لم ينتعش من الوباء بالسرعة التي توقعتها العديد من البنوك في البداية. إلا أن البعض توقع “تخفيف السياسة الكلية “بشكل ملحوظ في عام 2024، خاصة من قبل الحكومة المركزية، من أجل دعم الاقتصاد ومنع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من التباطؤ بشكل كبير من عام 2023 إلى عام 2024”.
وحول توقعات المنظمات المالية الدولية وهي الأهم فإن صندوق النقد الدولي لا يزال يتوقع أن يتباطأ نمو الصين في عام 2024 إلى 4.6% “وسط استمرار الضعف في سوق العقارات وضعف الطلب الخارجي”.
ورغم توقعات محللي UBS أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات التي ستعقب 2025 لن تتجاوز3.5 % نسبة لتراجع قطاع العقارات ولكنهم تجاهلوا أيضاً أبواب الاستثمارات الواسعة في قطاع الاستثمارات في التصنيع والخدمات والطاقة المتجددة.
ولا بد أن لتوقعات تدهور نسبة النمو أسبابها والملاحظ أن أغلب التحليلات تتحدّث عن قطاع العقارات ضرورة أتخاذ التدابير، وبهذا الشأن قال كبير الاقتصاديين في بنك JP Morgan ورئيس البحوث الاقتصادية في الصين الكبرى، هايبين تشو:”إن إحدى المهام المهمة في عام 2024 هي إدارة المخاطر الهبوطية في الاقتصاد، لا سيما من تصحيح سوق العقارات”. أي أن هذه المشكلة قيد المعالجة والمتابعة الدائمة من قبل الحكومة الصينية ولا بد ستحظى هذه الجهود بالحلول المناسبة بما أن النهج السياسي المعتدل والمهادن نوعاً ما يعاضدها.
وهنا استذكر مقولة رئيس مجلس الدولة في مؤتمر دافوس المنتدى الاقتصادي العالمي ” لم نسعى إلى تحقيق النمو على المدى القصير بينما كنا نراكم المخاطر على المدى الطويل” هذه المقولة الغامضة التي تعنى أن الحكومة الصينية ستحافظ على النمو المستدام لفترات طويلة مع تجنب اصدار قرارات من شأنها تعريض الاستقرار الاقتصادي للخطر على المدى الطويل.
هذه المقولة تطرح تساؤلات من شخصية رفيعة المستوى في الصين حول الحلول التي سيعدون لها بعض الأمثلة على القرارات التي قد تكون اتخذتها البلاد لتجنب المخاطر على المدى الطويل منها ما قلته سالفاً تنويع الاقتصاد من شأن ذلك أن يقلل من اعتماد البلاد على قطاعات اقتصادية محددة ويجعلها أكثر قدرة على الصمود في وجه التحديات، والاستثماري في قطاعات أخرى مثل الاستثمار في التعليم والبحث العلمي من شأن ذلك أن يؤدي إلى تنمية رأس المال البشري وزيادة الإنتاجية على المدى الطويل، والاستثمار في البنية التحتية على المستويين الداخلي والخارجي من شأن ذلك أن يحسن من كفاءة الاقتصاد ويجذب الاستثمارات الأجنبية.