يترقّب العالم بشوق وحذر زيارة مرتقبة للرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة الأمريكية غداً، في الزيارة ستكون الأولى لشي جين بينغ إلى الولايات المتحدة منذ 2017، بالتزامن مع قمة منتدى التعاون آسيا المحيط الهادئ (أبيك) التي تستضيفها سان فرانسيسكو، في استجابة تعكس مجاملة صينية ورضوخ أمريكي لمكانة الصين، ورغبة للتوصّل إلى تفاهمات حيال الملفات التي تعكر علاقات البلدين.
سرعان ما بدأت التسريبات حول مضامين اللقاء منذ الساعات الأولى عن بدء اللقاء، حيث أوضحت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار أن الرئيسان الصيني والأمريكي سيناقشان جملة من المسائل الحساسة تمس بجوهرها الأمن والاستقرار بين الطرفين مثل ابقاء قنوات التواصل مفتوحة لا سيما عسكرياً بعد إغلاقها منذ فترة ليست بالبعيدة جراء “اتهامات أمنية” أمريكية للصين، ومجموعة من الملفات الإقليمية والدولية ذات الطابع الأمني والاقتصادي والسياسي، والتي تقود عدم معالجتها إلى شيوع حالة من الحرب الباردة بين الطرفين، التي نلخصها بما يلي:
أولاً: بالتأكيد سيتم مناقشة جملة من القضايا في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في قمة عام 2023م، من قبيل التجارة الحرة (إزالة الحواجز التجارية وتعزيز الاستثمار)، تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة ودعم الابتكار والتكنولوجيا وتنمية القوى العاملة، التغير المناخي (خفض الانبعاثات وتعزيز الطاقة المتجددة)، الأمن الإقليمي (الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة).
ثانياً: قال الرئيس تشي جي بينغ:”مسألة تايوان تقع في صميم المصالح الأساسية للصين، وهي حجر الأساس للأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية، وأول خط أحمر يجب عدم تجاوزه في العلاقات الصينية الأمريكية. “والأمريكيين قلقون من التكثيف الصيني للأنشطة العسكرية (الصينية) في محيط تايوان”، موضحة أن بايدن سيثير هذه المسألة، لكنه سيؤكد للرئيس الصيني أن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان، وأن السياسة الأمريكية على هذا الصعيد لم تتغير.
ثالثاً: تتفاقم حالات الخوف والقلق المتبادل بين الصين وبكين، بالنسبة لأمريكا “بايدن يريد أن يبلغ نظيره الصيني أن الأمريكيين “قلقون للغاية” من احتمال تأثير بكين في الانتخابات الرئاسية في تايوان والولايات المتحدة في 2024، بالمقابل تشعر بكين بالقلق إزاء ضوابط التصدير الأمريكية الجديدة على التكنولوجيا المتقدمة.
رابعاً: استخدام نفوذ الصين على كوريا الشمالية نظراً لشيوع القلق المتزايد بشأن زيادة وتيرة تجارب الصواريخ الباليستية من قبل كوريا الشمالية، ومسائل التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية.
خامساً: دعوة أمريكية للصين لاستغلال علاقاتها بإيران فيما يتعلّق بالحرب بين إسرائيل وحماس بموجب العلاقات الاقتصادية المتميّزة لكون الصين مستورد أساسي للنفط الإيراني.
سادساً: مستجدات الوضع بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية، أن روسيا هي جزء من ابيك، وغير المعروف ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين سيحضر، والأغلب كما حدث في قمة العشرين لهذا العام حيث تغيب الرئيسين الصيني والروسي.
سابعاً: بايدن مصمم على استعادة الاتصالات العسكرية التي انسحبت منها بكين إلى حد كبير بعد زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022، ومناقشة موضوع الاستفزازات العسكرية، لأن هذا يجعل الطرفين على علم بتحركات الأخر، بالشكل الذي يمنع التصادم وتدحرج الأمور نحو الصراع بسبب أخطاء التقدير مثلاً، والحوادث كثيرة منها قيام الجيش الأمريكي بنشر مقطع فيديو لطائرة مقاتلة صينية تحلّق على بعد 10 أقدام (3 أمتار) من قاذفة أمريكية من طراز بي-52 فوق بحر الصين الجنوبي. وهنا تبرز الحاجة بالنسبة للأمريكي لكشف للتواصل بغرض الضبط في المناطق الحساسة وذات النفوذ المحوري مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وأمريكا تريد أرسال رسالة مفادها: “أنه لا يحق لكم التصرف كما يحلو لكم في هذه المناطق رغم أنها محلية ومن حق الصين، ولو درسنا أهمية بحر الصين الجنوبي لعرفنا أسباب أهميته في الاستراتيجية الأمريكية”. وكما نشر البنتاغون لقطات لأكثر من 180 اعتراضاً للطائرات الحربية الأمريكية من قبل الطائرات الصينية التي وقعت في عامي 2021- 2022م، الأمر لذي يفرض وجود قنوات تواصل بين الأمريكي والصيني بدليل أن البنتاغون قد حذّر من أن عدم وجود اتصالات عسكرية ” يزيد من خطر وقوع حادث عملي أو سوء تقدير يتصاعد إلى أزمة أو صراع.”
ثامناً: مناقشة التزام الولايات المتحدة تجاه الفلبين: بعد حادثة أخيرة منعت فيها السفن الصينية سفينتين فلبينيتين واصطدمت بهما قبالة مياه ضحلة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وقامت أمريكا بإضافة أربع قواعد عسكرية في الفلبين في تهديد صارخ للأمن القومي الصيني، وقالها بايدن صراحة:” أريد أن أكون واضحا جداً”. “التزام الولايات المتحدة الدفاعي تجاه الفلبين مكسو بالحديد”.
سابعاً: مناقشة تصاعد عوامل عدم الاستقرار وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي، هناك تطلعات مشتركة على نطاق واسع إلى أن تظل منطقة آسيا والباسيفيك محركًا اقتصاديًا لقيادة النمو العالمي.
ثامناً: مناقشة كيفية “الاستمرار في إدارة المنافسة بشكل مسؤول والعمل معاً، حيث تتماشى مصالحنا ولا تصل إلى درجة الصدام، فإنّ ذلك يتطّلب الإذعان لواقع الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة” خاصّة فيما يتعلّق بالتحديات العابرة للحدود التي تؤثّر على المجتمع الدولي.
تاسعاً: مناقشة كيفية تحقيق رؤية “بوتراجايا 2040” لمنتدى (أبيك) من أجل توفير زخم نمو جديد لمنطقة آسيا والباسيفيك والعالم الأوسع، والتكاتف معا في بناء مجتمع مصير مشترك لمنطقة آسيا والباسيفيك.
وحول تفسير أسباب الدعوة الأمريكية: في خطاب ألقاه في المؤتمر السنوي لجمعية آسيا والمحيط الهادئ الصينية، جامعة فودان، في أواخر أكتوبر، شرح البروفيسور وو شينبو ، عميد ومدير مركز الدراسات الأمريكية ، سبب سحب بايدن كل المحطات لجلب شي على متن الطائرة لحضور اجتماع أبيك في سان فرانسيسكو. أكد وو على سببين: سيجعل دبلوماسية بايدن تبدو ناجحة ويرسل إشارة داخل الولايات المتحدة بأن بايدن يبذل قصارى جهده لتحقيق الاستقرار في العلاقات مع الصين، بينما يقوم في نفس الوقت بمنافسة قوية مع الصين خصوصاً قبل الانتخابات القادمة وهذا ما سيكسب بايدن رصيداً سياسياً جيداً.
الخطير في الأمر أن العلاقات الصينية الأمريكية في الوقت الحالي قد أدت إلى تقسيم المجتمع الصيني عموديًا إلى معسكرين سياسيين متنافسين، أحدهما مؤيد للولايات المتحدة والآخر معاد للولايات المتحدة، ولدى استقرار الأصداء الشعبية لدى الداخل الصيني تبين وجود حالة من الاستياء الشعبي من اللقاء وتشير التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أن قسم من الصينيين يعتبرون الاجتماع الثنائي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والصين هو بالكامل لخدمة مصالح “الاحتيال” الأمريكية.” أحد التعليقات:” إذا استمرت الولايات المتحدة في قول شيء وفعل شيء آخر، فلا داعي لإضاعة وقت الرئيس شي، فالرئيس شي مشغول للغاية.”
يعود هذا التقسيم إلى السياسات الأمريكية المناهضة للصين، والتي بدأت في عهد إدارة ترامب وتواصلت في عهد إدارة بايدن. فقد فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع الصينية، وحاولت تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة، وعززت التعاون مع الحلفاء لتطويق الصين، أدت هذه السياسات إلى شعور بالتهديد لدى الكثير من الصينيين، مما دفعهم إلى تأييد الولايات المتحدة. كما أدت إلى شعور بالاستياء لدى الكثير من الصينيين، مما دفعهم إلى معاداة الولايات المتحدة، ووسط هذه التطورات، يبدو أن المجتمع الصيني بشكل عام قد انقسم إلى فصيلين صارمين متنافسين أيديولوجيًا. يدعم الفصيل المؤيد للولايات المتحدة السياسات الأمريكية ويعتقد أن الصين يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة. ويدعم الفصيل المعادي للولايات المتحدة السياسات الصينية ويعتقد أن الصين يجب أن تقف في وجه الولايات المتحدة. الأستاذ في جامعة بكين لي ينغياو، يؤكد التعليق أن ” أكبر مشكلة في الصين هي أن بعض المثقفين قد تم غسل أدمغتهم من قبل الولايات المتحدة.”
الجدير بالذكر أن هناك العديد من الأسئلة التي تثيرها هذه الزيارة منها هل سيؤدي الاجتماع إلى حل الخلافات بين الطرفين الأمريكي والصيني؟
بالتأكيد لن يحل الخلافات ولكنهم سيصلون إلى حالة إدارة الصراع وهذا مطلب صيني من قبل أذعنت له أمريكا فيما بعد، وإدارة الصراع هي: عملية تهدف إلى حل أو تقليل حدة الصراع بين طرفين أو أكثر، وتتضمن إدارة الصراع مجموعة من المهارات والأساليب التي يمكن استخدامها لتحسين التواصل وفهم الأطراف المتعارضة، وتطوير حلول توافقية ترضي جميع الأطراف”.
هناك من يقول أن:” بايدن يتطلع إلى “إدارة المنافسة ومنع المخاطر السلبية للصراع وضمان فتح قنوات الاتصال؟ ما هي الدلالات؟ في مقال شديد اللهجة، المثقف الماوي المؤثر ذو الميول اليسارية تشانغ تشيكون طرح السؤال باستخفاف: أليست المنافسة الاستراتيجية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضد الصين هو “مجرد البديل من الحرب الباردة”؟ وأنا أميل لهذا الرأي.
النتيجة: لم تكن الصين سبباً في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة لا بل الأمريكي الذي يوجه الدعوة هو المسبب الرئيسي خوفاً على زعامتهم العالمية التي يبدوا أنهم ق بدأوا في فقدان التمسك بها، وما دعوة الرئيس الصيني إلا رضوخ أمريكي وإقرار بتفوق الصين وقوتها وعدم مقدرتهم على تجاوزها اليوم، ومثل هذه الدعوة مخافة الصراع المباشر معهم، إقرار بوجود قطب ثاني عالمي نجح بفرض هيمنته ووجوده على الساحة الدولية.
د . ساعود جمال ساعود