في ظل التداعيات السلبية التي نجمت عن الحرب على سورية، احتلت مسألة الأمن الغذائي مكانة محورية في جدول أعمال الحكومات السورية المتعاقبة نظراً لحساسية وخطورة منعكسات هذه المسألة على حياة الشعب السوري ومستقبله لا سيما المواد الأساسية كالقمح التي تأثرة بالحرب على سورية بداية 2011م ومن ثم بالحرب الروسية – الأوكرانية 2022م.
يعلم القاصي والداني أن سورية كانت قبل عام 2011م تصدر ما يقارب الـ 1.5 مليون طن من قمحها إلى دول مثل مصر واليمن والأردن وغيرها، في حين كانت تشتري من الفلاحين ما كميته 2.5 مليون طن لمدّ الأفران به وتعزيز الاحتياطات، ولكن الحرب على سورية حرمت سورية الكثير من المزايا في مجال إنتاج القمح وتصديره، ويكفي أن نشير لمعدلات إنتاجه قبل العام المذكور آنفاً، فقد بلغ متوسط إنتاج البلاد من القمح خلال فترة 1995م-2009م نحو 4 ملايين طن، في حين بلغ عام 2006م بمقدار 4.9 ملايين طن، ليصل متوسط الإنتاج في عام 2007م إلى 4 ملايين طن، حيث حافظ متوسط الإنتاج على مستواه حسب ما يتبين لنا من الإحصائيات المتاحة للعلن لغاية عام 2012م؛ العام الذي شهد استيراد الطحين لأول مرة، حيث بدأت سلسلة الاستيراد منذ ذاك العام لتبلغ في عام 2013م حوالي 2.4 مليون طن.
ومع عام 2015م عام التدخل الشرعي الروسي في سورية وبدء سلسلة التحرير للمناطق من رجس الإرهاب، فقد شهد انتاج القمح في سورية نوعاً طفيفاً من التحسن بدليل بلغ إنتاج سورية من القمح عام 2016م ( 1.7) مليون طن، عام 2017م (مليون و850 ألف طن)، عام 2018م المليون و200 ألف طن، بحسب منظمة “الفاو” للأغذية، ولكن في عام 2019م فقد تعرّض موسم القمح لضربة موجعة إثر الحرائق التي شهدتها الجغرافيا السورية والتي تمت بفعل فاعل بغرض ضرب الاقتصاد الوطني وزعزعة الاستقرار (أكثر من 80 ألف دونم).
” كان إجمالي إنتاج البلاد عام 2021م من القمح ربع متوسط ما قبل الحرب حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)”.
العملية الروسية – الأوكرانية وما ترادف معها من فرض عقوبات أمريكية وأوربية اقتصادية على روسيا، أجبرت روسيا لاستخدام أوراقها الاقتصادية وأخذ حيطتها، فتعطلت إمدادات بعض السلع الاستراتيجية كالقمح والذرة ، الأمر الذي ترك جعل سورية في مرمى التأثر، حيث كانت تستورد سنوياً نحو مليون طن من القمح الروسي، تأثرن الكمية المذكور بارتفاع اسعار الاستيراد، فاضطرت للبحث عن موارد إمداد إضافية تحددت بالهند، حسب حددها مدير عام مؤسسة الحبوب عبد اللطيف الأمين في تاريخ 17/أذار/ 2022م.
ومن باب التصويب فقد جرت الأحاديث عن بحث سورية عن “بدائل” ولكن دعونا نسميها موارد إضافية لأن قرار روسيا بمنع تصدير القمح يشمل الدول المعادية لا الحليفة لهم، ولأن الموارد الإضافية ضرورة يفرضها تعزيز الأمن الغذائي السوري ويكفي أن نشير لما تناقلته وكالة “إنترفاكس” الروسية عن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، محمد سامر الخليل، قوله: إن سوريا بحاجة إلى استيراد أكثر من 1.5 مليون طن من القمح سنويًّا، معظمها من روسيا”، ليأتي البحث السوري عن مورد إضافي في إطار تخفيف الأعباء المفروضة على روسيا.
وحول أسباب التراجع في إنتاج القمح واللجوء إلى الاستيراد، نشير إلى جملة من الأسباب بعد استبيان سبر أراء تم إجراءه على مواقع التواصل الاجتماعي مع الحرص على مشاركة الأكاديميين، فقد جاءت الإجابات كما يلي:
العينة الأولى من الإجابات تقول : الحرب في (تنظيمات إرهابية) سورية وعليها(الدول المتآمرة)؛ التي مرّت بها سورية والتي أدت إلى إحتلال الكثير من الأراضي ذات الوزن الاستراتيجي لحاضر ومستقبل سورية الدولة والشعب السوري، إضافة إلى عوامل أخرى تمثلت ب سوء المناخ والجفاف ، هجرة آلاف الفلاحين في منطقة الجزيرة السورية، الجفاف، ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة ، وعدم تناسب كلفة الإنتاج مع سعر السوق.
العينة الثانية من الإجابات تقول : سيطرة الإرهابيين والأمريكان وقسد على المنطقة الشرقية له دور محوري على أزمة القمح، الحسكة تسيطر عليها “قسد”، كان إنتاجها نحو 60% من حاجة سورية للقمح.
العينة الثالثة من الأجوبة: سرقة المحاصيل وتصديرها بقوة السلاح والأدلة كثيرة عام 2020 تسلمت “قسد” من الفلاحين أكثر من 600 ألف طن من القمح خلال 2020، وصدّرت حوالي 300 ألف طن إلى العراق عبر إقليم كردستان، وكذلك الأمريكان يهربون القمح عبر معبر الوليد الغير شرعي إلى العراق.
صرّح محمد قطنا وزير الزراعة السوري أن إنتاج سورية من القمح لعام 2022م بلغ 1.7 مليون طن، ولعلها كثيرة هي الأسباب التي قادت لهذه النسبة التي كان من المكن أن تكون أعلى، فرغم تحديد الحكومة سعر شراء مادة القمح من المزارعين بـ 1700 ليرة سورية لكل كيلوغرام، ومنح مكافأة مالية قدرها 300 ليرة سورية لكل كيلوغرام إلا أنّ التسعيرة الجديدة لم تنجح في تغطية تكاليف الزراعة والري في ظل ارتفاع أسعار المحروقات علاوة على تضمينه بالبطاقة الذكية والأسمدة والمبيدات الحشرية، لذلك كان عانت غالبية الفلاحين من ضالة نسبة الربح.
الخطط البديلة لسورية لتأمين مستلزمات زراعة القمح، بحسب وزير الزراعة السوري، محمد حسان قطنا: خوفاً من قانون قيصر، “لم تتقدّم أي شركة لمناقصات استيراد هذه الأسمدة”. وبحسب الوزير، تم تعديل الآلية إذ ستعتمد الحكومة على الأسمدة العضوية بديلاً من تلك المستوردة” ، وهذا قد يكون حل متاح ولكن غير فعال، وسيؤدي لاستمرار أزمة الأسمدة على حالها.
وبالنتيجة، إن استمرار أزمة الأسمدة على حالها من غلاء أسعارها، وارتفاع أسعار المحروقات، التي أنعكس على إجراءات تجهيز الأراضي وزراعتها، ونوعية البزار أيضاً، وعلة غالبية المحاصيل بعلاً، وخروج مساحات من الأراضي الصالحة للزراعة عن السيطرة الحكومية، وبقاء المنطقة الشرقية والشمالية تحت الاحتلال، كله سيقود إلى خيار مؤكد يتمثّل في استيراد المزيد من القمح المخزون الاستراتيجي للشعب السوري وقوام الصمود الاقتصادي مستقبلاً.
بقلم الدكتور ساعود جمال ساعود